تم النشر في : 2023-03-08

أجداد النبي r وآباؤه

نسب النبي r: هو محمد r بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وعدنان من نسل إسماعيل بن إبراهيم -عليهما السلام-وأمه آمنة بنت وهب من بني زهرة

فهر هو قريش على قول جمهور أهل النسب، وقال آخرون: بل هو النضر بن كنانة.

وقصي الجد الرابع للرسول r، وقد عاش في القرن الخامس الميلادي وهو الذي جمع قريش بعد أن كانت متفرقة في بني كنانة وتزعمها، لذلك لقب مجمع.

يروى أن اسمه زيد وسمي قصياً لأن أمه تزوجت بعد وفاة أبيه كلاب بن مرة القرشي بربيعة بن حرام بن سعد بن زيد القضاعي وانتقلت به إلى الشام مع زوجها فسمي قصياً لقصوه عن أهله. شب قصي تحت رعاية ربيعة بن حرام على أنه أبوه، فكان أن تنازع مع بعض بني قضاعة فعيروه بأنه دخيل عليهم. فلما سأل أمه أخبرته بنسبه إلى قريش حيث يقيم أخوه زهرة بن كلاب وبنو عمه.

ولما علم قصي بحقيقة نسبه انطلق إلى مكة وأقام بها وخطب ابنة زعيم خزاعة حُبّى بنت حٌليل، فزوجه إياها لما عرف من نسبه، وكان له من الولد: عبدالدار وعبدمناف وعبدالعزى وعبدا، وكثر ماله وولده، ومع هلاك حليل رأى أنه أولى بالكعبة وأمر مكة من خزاعة وبني بكر، فدعا رجالا من قريش وكنانة إلى ذلك فأجابوه وبايعوه كما دعا أخاه من أمه رزاح بن ربيعة وقومه قضاعة فانضموا إليه، ووقعت الحرب بينه ومن معه وبين خزاعة وبكر حتى كثر القتل بين الفريقين فتصالحوا إلى رجل من العرب يقال له يعمر بن عوف من بني عبدمناة بن كنانة والمعروف بالشدّاخ([1])، فقضى لقصي بأنه أولى بالكعبة وأمر مكة من خزاعة، وهكذا أصبح قصي زعيم مكة بلا منازع، وجمع قومه وأنزلهم منازلهم في مكة بعد أن قسمها أرباعا، وكانت له السقاية والرفادة والحجابة والندوة واللواء([2]).

ثم لما كبر قصي ورق عظمه، وكان أولاده عبدمناف وعبدالعزى وعبدا قد شرفوا في قومهم، ولم يلحق ابنه البكر عبدالدار ذلك الشرف، جعل قصي لعبدالدار السقاية والرفادة والحجابة والندوة واللواء ليلحق بهم في الشرف، ولم ينازعه إخوته ذلك.

وكان عبدمناف الجد الثالث واسمه المغيرة يقال له القمر من جماله وحسنه.

وبعد وفاة عبدالدار وعبد مناف تنازع أبناءهم في ذلك ووقع الاختلاف بينهم، واجتمع مع بنو عبدمناف بنو أسد وبنو زهرة وبنو تيم وبنو الحارث، وأخرج لهم بنو عبدمناف جفنة([3]) مملؤة طيبا ووضعوا أيديهم فيها وتعاقدوا وتعاهدوا ومسحوا أيديهم في الكعبة توكيدا على أنفسهم فسموا بالمطيبين.

أما بنو عبدالدار فقد تعاهد معهم بنو جمح وبنو مخزوم وبنو سهم وبنو عدي، وتعاقدوا وتعاهدوا عند الكعبة فسموا الأحلاف.

ثم تصالح الجميع على أن يكون لبني عبدالدار الحجابة واللواء والندوة، وتكون لبني عبدمناف السقاية والرفادة([4]).

ولكثرة سفر عبدشمس بن عبدمناف كانت السقاية والرفادة لهاشم الجد الثاني واسمه عمرو، وقيل له هاشم لأنه أول من هشم الثريد لقومه بمكة وأطعمهم، وكان قومه قريش قد أصابهم القحط فرحل إلى فلسطين فاشترى منها الدقيق وقدم به إلى مكة فجعله خبزا ونحر جزورا وجعلها ثريدا لقومه، وما زال يفعل ذلك حتى استكفوا.

وهو أول من سن لقريش الرحلتين رحلة الشتاء والصيف، وكانت قريش لا تغدوا في تجارتها مكة، وكانت الأعاجم تأتيها بالسلع فيشترون منهم، وركب هاشم إلى الشام فأطعم الناس من الثريد، فبلغ خبره قيصر فدعاه وكلمه وأعجبه، فلما أصبح جليسه أخبره هاشم بأن قومه تجار فلو كتب له كتاب أمان لهم ولتجارتهم جاؤوا بسلع الحجاز فباعوها في الشام فكانت أرخص لهم، فكتب له بذلك فعاد هاشم إلى قومه بالكتاب والإيلاف، وكان قد مرّ بقبائل العرب في الطريق وأخذ منهم الإيلاف وهو أمان الطريق، وبذلك أمن طريق قريش من مكة إلى الشام.

عبدالمطلب: كان هاشم أثناء شخوصه في تجارة له إلى الشام مرّ بالمدينة (يثرب) فنزل على عمرو بن زيد من بني النجار الخزرجي وتزوج ابنته سلمى وحملت منه، ولما حانت ولادتها ردها لأهلها لأن أباها أشترط عليه أن لاتلد أول مولود إلا في أهلها، فولدت ابنه شيبة، ومات هاشم بغزة من أرض الشام([5]).

ومكث شيبة بين أخواله سبع سنين أو ثمان سنين، ورآه رجل من بني الحارث بن عبدمناة وهو يتنافس مع غلمان له على رمي السهام فإذا أصاب قال مفاخرا: أنا ابن هاشم أنا ابن سيد البطحاء، فسأله من أنت؟ فقال له: أنا شيبة بن هاشم بن عبدمناف، فعاد الحارثي إلى مكة والتقى بالمطلب بن عبدمناف فأخبره، فعزم المطلب على القدوم إلى المدينة لإعادة شيبة إلى مكة حيث قومه، وقدم إليها وما زال يسترضي أمه حتى أذنت، فقدم مكة وهو مردفه على راحلته، وسأله قومه عنه فقال: عبدي. لذلك سمي بعبدالمطلب، ولما مات المطلب ولي السقاية والرفادة.

حفر زمزم: منذ أن أوجد قصي السقاية، وهي سقاية الحجيج الماء، كان هذا الأمر الشغل الشاغل لزعماء مكة الذين ولوا السقاية وكانت زمزم قد غارت في آخر عهد جرهم، لذلك نجد أن قصي بن كلاب حفر بئر يقال لها العجول، ثم حفرت بطون قريش الآبار في رباعهم طلبا للماء، كما كانوا يأتون بالماء من خارج مكة، فلما ولي عبدالمطلب السقاية، أراد الله U أن يخرج زمزم إكراما لنبيه محمد r، فبينا عبد المطلب نائم في الحجر أتي، فقيل له: احفر برة، فقال: وما برة؟ ثم ذهب عنه، حتى إذا كان الغد نام في مضجعه ذلك، فأتي فقيل له: احفر المضنونة([6])، قال: وما مضنونة؟ ثم ذهب عنه، حتى إذا كان الغد عاد فنام في مضجعه ذلك، فأتي فقيل له: احفر طيبة، فقال: وما طيبة؟ ثم ذهب عنه، فلما كان الغد عاد فنام بمضجعه، فأتي فقيل له: احفر زمزم فقال: وما زمزم؟ فقال: لا تنزف([7]) ولا تذم([8])، ثم وصف له موضعها، فقام بالحفر حيث وُصِف له، فقالت له قريش: ما هذا يا عبد المطلب؟ فقال: أمرت بحفر زمزم، حتى ظهر له الطي([9]) قالوا: ياعبدالمطلب إن لنا حقا فيها معك، إنها لبئر أبينا إسماعيل، فقال: ما هي لكم، لقد خصصت بها دونكم، قالوا: فحاكمنا، قال: نعم، قالوا: بيننا وبينك كاهنة بني سعد بن هذيم وكانت بأشراف الشام. قال: فركب عبد المطلب في نفر من بني أبيه، وركب من كل بطون من قريش نفر، وكانت الأرض إذ ذاك مفاوز([10]) فيما بين الشام والحجاز، حتى إذا كانوا بمفازة من تلك البلاد فني ماء عبدالمطلب وأصحابه حتى أيقنوا بالهلكة، فاستسقوا القوم، قالوا: مانستطيع أن نسقيكم، وإنا لنخاف مثل الذي أصابكم، فقال عبد المطلب لأصحابه: ماذا ترون؟ قالوا: ما رأينا إلا تبع لرأيك فقال: إني أرى أن يحفر كل رجل منكم حفرة بما بقي من قوته، فكلما مات رجل منكم دفعه أصحابه في حفرته حتى يكون آخركم يدفعه صاحبه، فضيعة رجل أهون من ضيعة جميعكم، ففعلوا، ثم قال: والله إن إلقاءنا بأيدينا للموت، لا نضرب في الأرض ونبتغي لعل الله U أن يسقينا عجز. فقال لأصحابه: ارتحلوا، قال: فارتحلوا وارتحل، فلما جلس على ناقته فانبعثت به انفجرت عين من تحت خفها بماء عذب، فأناخ وأناخ أصحابه، فشربوا وسقوا واستقوا، ثم دعوا أصحابهم: هلموا إلى الماء فقد سقانا الله تعالى فجاءوا واستقوا وسقوا، ثم قالوا: يا عبدالمطلب قد والله قُضي لك، إن الذي سقاك هذا الماء بهذه الفلاة لهو الذي سقاك زمزم، انطلق فهي لك، فما نحن بمخاصميك، فانصرفوا ومضى عبدالمطلب فحفر، فلما تمادى به الحفر وجد غزالين من ذهب، وهما الغزالان اللذان كانت جرهم دفنتها فيها حين أخرجت من مكة، ووجد عبدالمطلب أسيافا مع الغزالين، فقالت قريش: لنا معك في هذا ياعبدالمطلب شرك وحق، فقال: لا، ولكن هلموا إلى أمر نَصِف بيني وبينكم، نضرب عليها بالقداح، فقالوا: فكيف نصنع؟ قال: اجعلوا للكعبة قدحين ولكم قدحين ولي قدحين، فمن خرج له شيء كان له، فقالوا له: قد أنصفت، وقد رضينا، فجعل قدحين أصفرين للكعبة وقدحين أسودين لعبد المطلب وقدحين أبيضين لقريش ثم أعطوها الذي يضرب بالقداح، وقام عبدالمطلب يدعو الله، وضرب صاحب القداح القداح، فخرج الأصفران على الغزالين للكعبة فضربهما عبدالمطلب في باب الكعبة فكانا أول ذهب حليته، وخرج الأسودان على السيوف والأدرع لعبد المطلب فأخذها، فلما حفر عبدالمطلب زمزم ودله الله عليها وخصه بها زاده الله تعالى بها شرفا وخطرا في قومه، وعطلت كل سقاية كانت بمكة حين ظهرت، وأقبل الناس عليها التماس بركتها ومعرفة فضلها لمكانها من البيت، وأنها سقيا الله U لإسماعيل u([11]).

وكان عبدالمطلب عندما لقي مالقي من قريش عند حفر زمزم، نذر إن بلغ أبناءه عشرة وبلغوا مبلغ الرجال أن يذبح أحدهم لله، فولد له عشرة أبناء وبلغوا مبلغ الرجال، فأستهم بينهم ليذبح أحدهم فخرج سهم عبدالله وكان أصغر أبنائه، فقام إليه ليُذبح، ولكن قريش أبت ذلك مخافة أن تصبح في الناس عادة فيهلكوا،  ثم أشير عليه بأن يأتي عرافة في الحجاز ليسألها، فأنطلق ومعه رفقة حتى أتوها في خيبر، فسألتهم كم الدية فيهم فأخبروها بأنها عشرة من الإبل، فطلبت منهم أن يقرعوا بينها وبين عبدالله، وكلما جاءت القرعة على عبدالله زادوا فيها، حتى يرضى ربهم، فعادوا إلى مكة وصار عبدالمطلب يفعل ما أمرته العرافة، فيسهم بينه وبين عشرة من الإبل، فيخرج سهم عبدالله فيزيد في الإبل حتى بلغت مائة فخرج سهم الإبل([12])، فنحرها عبدالمطلب ووزع لحمها على أهل مكة، فهذا قول رسول الله r: "أنا ابن الذبيحين"([13]).

عبدالله: هو أصغر أبناء عبدالمطلب وهو الذبيح الذي فدي بمئة من الإبل، زوجه أبوه بآمنة بنت وهب بن عبدمناف بن زهرة بن كلاب، وكان عبدالمطلب قد تزوج بهالة بنت وهيب، ووهيب عم آمنة وقد تربت في حجره، وحملت آمنة بالرسول r، ولكن أباه لم يره لأنه توفي قبل ولادته عند أخواله من بني عدي بن النجار في المدينة (يثرب) حيث أرسله أبوه إليها ليأتيه من تمرها فمات هناك، وولدت آمنة محمدا r فكفله جده عبدالمطلب([14]).

 



[1]  كان سيد بني كنانة في الجاهلية، وكان سيدا عظيما مشهورا ومن حكماء العرب، لما شدخ من الدماء ووضع منها في حكمه بين قصي ومن معه وبين خزاعة وبكر حيث حكم كل دم أصابه قصي من خزاعة وبني بكر، موضوع يشدخه تحت قدميه، وأن ما أصابت خزاعة وبنو بكر من قريش وكنانة وقضاعة ففيه الدية مؤداه.

[2] الطبري، تاريخ الأمم والملوك: 2/254-256

السقاية: سقاية زوار مكة والحجيج، والرفادة إطعامهم، والحجابة حجابة البيت، والندوة هي الدار التي يجتمع فيها الزعماء للتشاور وعقد عقود الزواج والحرب، واللواء هو لواء الحرب.

[3] الجفنة: القصعة

[4] السيرة النبوية، ابن هشام: 1/107

[5] السيرة النبوية، ابن هشام: 1/102-103

[6] المضنونة: قيل لها كذلك لأنه ضن بها على غير المؤمنين، فلا يتضلع منها منافق، وقيل: أي التي يُضَنُّ بها لنَفَاسَتِها وعِزَّتها.

[7] استنزف المالَ ونحوَه: أفناه، وأهلكه.

[8] تذم: تعاب.

[9] الطي: البئر.

[10] المفاوز: جمع مفازة وهي الصحراء أو الأرض المقفرة، سميت كذلك تفاؤلا بالفوز بالنجاة.

[11] السيرة النبوية لابن هشام: 1/111، دلائل النبوة، البيهقي: 1/93 من رواية ابن اسحاق وإسنادها حسن (السيرة النبوية الصحيحة، أكرم العمري: 1/91

[12] السيرة النبوية لابن إسحاق: 86-93، السيرة النبوية، ابن هشام: 1/116-118، دلائل النبوة: البيهقي: 98-100، وانظر السيرة النبوية الصحيحة، أكرم العمري: 1/92-93

[13] المستدرك على الصحيحين، الحاكم: 2/554، 559، وقال الذهبي: إسناده واه، وقال الألباني: لا أصل له (السلسلة الضعيفة: ح1677، وورد أن أعرابيا قال للنبي r: يا ابن الذبيحين، فتبسم ولم ينكر عليه. (الزرقاني، مختصر المقاصد: 11).

[14] السيرة النبوية الصحيحة، أكرم العمري: 1/94-95، وهو مرسل صحيح عن الزهري (مصنف عبدالرزاق: 5/317)