السيرة
النبوية ومصادرها
التاريخ (بالإنجليزية: History) هو
تسجيل ووصف وتحليل للأحداث التي جرت في الماضي؛ على أسس علمية محايدة للوصول إلى حقائق
وقواعد تساعد على فهم الحاضر والتنبؤ بالمستقبل.
قال السخاوي: «التاريخ فن يبحث عن وقائع الزمان من
حيث التعيين والتوقيت، وموضوعه الإنسان والزمان»
فالتاريخ
الاسلامي جزء من تاريخ العالم الذي يبدأ من بدء الخليقة وتستمر عجلته ما استمر هذا
العالم، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فالتاريخ الإسلامي هو الذي يتناول تاريخ
الأمة الإسلامية منذ بعثة الرسول r، والبعض يدخل تاريخ الأنبياء ضمن التاريخ
الإسلامي.
ورغم أن
التاريخ الإسلامي جزء من تاريخ العالم الا أنه تميز عنه بصفحاته البيضاء التي تتخللها
نقاط سوداء وذلك لأنه تاريخ بشري وليس ملائكي.
ويلاحظ
عند دراسة تاريخ الأمم الاهتمام بعظماء تلك الأمم من جانب والجانب العمراني الذي يعتبرونه
أساس حضارتهم من جانب آخر، وعليه يتفاخرون بتاريخهم من هذين الجانبين ولو تفحصت تاريخهم
لوجدت أن أغلبه صفحات سوداء ملئت بالظلم واستعباد الخلق وتسخيرهم واذلالهم.
أما التاريخ
الإسلامي فرغم بروزه في هذه الجانبين بما فاق تلك الأمم الا أنه برز فيه القيم الأخلاقية
التي نادى لها الإسلام، فالعدل والمساواة أساس العلاقة بين الأفراد.
تعريف
السيرة وأهمية دراستها:
السِّيرة:
الطريقة والسنة والهيئة([1])، والسيرة النبوية تعني مجموع ما ورد لنا من وقائع
حياة النبي r وصفاته الخُلقية والخَلقية، مضافا إليها غزواته
وسراياه.
فالسيرة
النبوية هي السبيل إلى فهم شخصية الرسول r، من خلال حياته وظروفه التي عاش فيها،
للتأكد من أنه r لم يكن مجرد عبقري([2]) سمت
به عبقريته، ولكنه قبل ذلك رسول أيده الله بوحي من عنده.
وتنبع
أهمية دراسة سيرة الرسول r مما ورد عنه أنه r قال: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ
أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ" متفق عليه،
وجاء في صحيح البخاري أن عمر بن الخطاب t قال: "قلت يَا رَسُولَ اللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ
إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي"، فَقَالَ النَّبِيُّ r: ((لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ
أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ)) فقال له عمر: "إِنَّهُ الْآنَ وَاللَّهِ لَأَنْتَ
أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي"، فقال النبي r: ((الْآنَ يَا عُمَرُ)). فتعميق هذه المحبة وتمكينها
وتقويتها في القلب يحتاج من العبد إلى دراسة لسيرة النبي S ومعرفة بأخباره العطرة وحياته المباركة -صلوات الله
وسلامه عليه-، ليزداد حباً للنبي الكريم r، وقد كان في حياته S يأتي إليه الرجل وليس على وجه الأرض أبغض إليه منه؛
فما أن يراه ويرى سيرته وهديه وسلوكه إلا ويتحول من ساعته وليس على وجه الأرض أحب إليه
منه، كما قال ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة حين أسلم ((يَا مُحَمَّدُ وَاللَّهِ مَا
كَانَ عَلَى وَجْهٌ الْأَرْضِ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ
أَحَبَّ الْوُجُوهِ كُلِّهَا إِلَيَّ)) رواه الإمام أحمد([3]).
من هنا
يأتي السؤال، كيف تحب شخصا لا تعرفه؟ وكيف تزداد حبا له الا بالتعمق في دراسة سيرته؟
كما
تنبع أهمية دراسة السيرة من قوله تعالى: )لَقَدْ كَانَ لَكُمْ
فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ
الآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا[4])()، فالدارس للسيرة النبوية يقف على التطبيق العملي لما ورد في القرآن
والحديث من آداب وأحكام.
والاقتداء
بالرسول r يقتضي معرفة شمائله وأحواله ودلائل نبوته
وخصائصه في المجالات المختلفة، وفي الاقتداء دلالة على محبة العبد ربه قال تعالى: )قُلْ إِنْ كُنْتُمْ
تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ
ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ[5])()، إضافة إلى مايناله العبد من المغفرة والرحمة.
كما
أن معرفة الدارس ماحفلت به السيرة من مواقف إيمانية عقدية وقفها الرسول r وأصحابه y لإعلاء كلمة الله، تقوي من عزائم المؤمنين
السائرين على دربهم، وتثبتهم على الدين والحق، وتقذف في قلوبهم الطمأنينة.
كما
أن السيرة حفلت بكثير من العظات والعبر والحكم التي يتعظ ويعتبر بها كل ذا عقل من
حاكم ومحكوم، فيعرف من تحدثه نفسه بالجبروت والكبرياء مآل من اتصف بهذه الصفات.
كما
أن سيرة الرسول r ملئت بدروس كثيرة لجميع فئات المجتمع،
ومواساة لهم في كافة أنواع الابتلاء التي يتعرض لها الناس وبخاصة الدعاة منهم.
إن
سيرة نبينا محمد r هي المثل الأعلى للإنسان الكامل في جميع
الجوانب، كما أنها تعينه على فهم كتاب الله U واستيعاب ماجاءت به السنة النبوية، وتعطيه
المعرفة الصحيحة لعلوم الإسلام المختلفة، وتوضح له أسباب نزول آيات القرآن الكريم
ومعرفة الناسخ والمنسوخ فيها.
كما
أن الداعية المسلم يعرف من خلال السيرة النبوية مراحل الدعوة وتطورها وما كابده
الدعاة من أصحاب رسول الله r من أجل رفع كلمة الله I، والمشكلات التي واجهها رسول الله r وصحابته الكرام y وكيفية حلهم لتلك المشكلات وتذليلهم
للعقبات.
كما
أن المعجزات التي أجراها الله U على يد نبيه r لاتفهم مغزاها إلا من خلال معرفة وقائع
السيرة النبوية([6]).
ومن
خلال السيرة نتعرّف على جيل الصحابة y الفريد، الذي كـان صدى للقرآن، وكان التطبيق
العملي لحكم الله أمرًا ونهيًا.
قال
ابن القيم: إِذَا كَانَتْ سَعَادَةُ الْعَبْدِ فِي الدّارَيْنِ مُعَلّقَةً
بِهَدْيِ النّبِيّ r فَيَجِبُ عَلَى كُلّ مَنْ نَصَحَ نَفْسَهُ
وَأَحَبّ نَجَاتَهَا وَسَعَادَتَهَا أَنْ يَعْرِفَ مِنْ هَدْيِهِ وَسِيرَتِهِ
وَشَأْنِهِ مَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْجَاهِلِينَ بِهِ وَيَدْخُلُ بِهِ فِي
عِدَادِ أَتْبَاعِهِ وَشِيعَتِهِ وَحِزْبِهِ([7]).
هذه
بعض الجوانب التي أردت الإشارة إليها لإبراز أهمية دراسة السيرة النبوية.
مصادر السيرة النبوية
تعتمد دراسة السيرة النبوية على مصادر متنوعة،
منها الأصلية ومنها التكميلية، فمن المصادر الأصلية في دراسة السيرة القرآن الكريم
والحديث الشريف وكتب الدلائل والشمائل، وكتب السيرة المختصة وكتب التاريخ العام.
أما المصادر التكميلية فهي لاتختص بالسيرة أو
التاريخ بل تتناول جوانب وموضوعات أخرى لكنها تفيد في حقل دراسة السيرة، مثل كتب
التفسير والفقه ثم تليها كتب الأدب التي تلقي ضوءً على الحياة الثقافية
ومستوى المعيشة وأنواع الملابس والأطعمة والعادات وغير ذلك من جوانب الحياة في عصر
السيرة، ودواوين الشعر وكتب
الرجال والتراجم التي تترجم للجيل الذي عاش أحداث السيرة، وكتب الجغرافيا
التاريخية التي تلقي الضوء على تضاريس الجزيرة العربية التي دارت فيها أحداث
السيرة والمسافات بين الأماكن وتوزيع القبائل والعشائر، وكتب الأنساب، وكتب
معاجم اللغة.
لقد
كُتب في السيرة النبوية منذ الصدر الأول حتى أيامنا هذه مايعجز على الحصر من
المؤلفات والكتب بين صغير وكبير، ومنظوم ومنثور، كما أن الكتابة في السيرة النبوية
لا تقتصر على المسلمين وحدهم، كما أنها لا تقتصر على اللغة العربية، بل كتب في
السيرة في مختلف بقاع الأرض، كما كتب بشتى اللغات([8]).
يقف القرآن الكريم في مقدمة مصادر
السيرة، والقرآن هو كلام الله المنزل على نبيه محمد r لفظا ومعنى بطريق الوحي، ويتضمن بيانا
للعقيدة الإسلامية والشريعة الإسلامية، وترد فيه آيات الأحكام ذات الأهمية الكبيرة
في بيان النظم الإسلامية ونشأتها، فهي تلقي الضوء على التشريعات الاجتماعية
والاقتصادية والسياسية التي عمل بمقتضاها النبي r في بداية الدولة الإسلامية الأولى([9]).
وقد
جاء في القرآن كثير من الآيات التي تعرضت لحياة الرسول r قبل البعثة وبعدها، من ولادته ونشأته إلى أن التحق بالرفيق
الأعلى.
فتحدثت
الآيات عن يتمه وفقره، وتلقيه الوحي، وعن عداوة الأعداء وخصومة الكافرين له،
واتهامه بشتى المعايب، وخروجه من مكة وهجرته مع صاحبه، ومواقف المنافقين والنفاق
في المدينة، وذكر بعض الغزوات كبدر وأحد والخندق وحنين، حيث
يصور الظروف والأحوال العامة التي وقعت فيها الغزوات والأحداث الأخرى الهامة،
وخاصة الأبعاد النفسية مما لانستطيع الحصول عليه بالدقة والصدق التي ترد في القرآن
الكريم من المصادر الأخرى.
كما تناول القرآن علاقة المعايشة بين النبي r واليهود، ومجادلة النصارى له، كما تناول
أحكام الرسول وقضاياه وقضائه، وحدثنا عن حياته العائلية والخاصة.
كما أن القرآن الكريم تناول بعض المواقف
والأحداث التي مست الرسول r بشكل مباشر ،كأمر الله U لنبيه بالزواج من طليقة مولاه زيد بن حارثة،
وكقصة الإفك.
ولقد تفرد القرآن بذكر بيان حالة النبي r النفسية وتصوير خلجات نفسه، كما صور القرآن
ما يعتلج في نفوس أصحابه ويدور في أذهانهم وتفكيرهم، كحديثه عن الثلاثة الذين
خُلّفوا في غزوة تبوك.
كما يخبرنا القرآن عن حديث المشركين والمنافقين
فيما بينهم وجلساتهم التآمرية السرية.
كما حدثنا عن الحضارات البائدة في جزيرة العرب،
وعن العرب قبل بزوغ شمس الإسلام، والأحداث الكبرى التي وقعت في ذلك الوقت كحادثة
الفيل.
وبشكل
عام ففي القرآن هيكل السيرة كاملا وأساسياتها، وعدد غير قليل من التفصيلات
والأحداث الجزئية، وإن كانت تخلو من الأرقام والأعلام([10]).
ويجب
على الباحث أن يقدم القرآن على كل ماعداه، وفي حالة تعارضه مع أي مصدر آخر يرفض
مخالفه، ويأخذ به لأنه مصدر لا يتطرق إليه أدنى شك([11]).
ولكن ينبغي أن لانتوقع ورود تفاصيل عن الأحداث
التاريخية في القرآن الكريم لأنه ليس كتابا في التاريخ بل هو منهج للحياة، وينبغي
التفطن أن الإفادة التامة من القرآن الكريم لاتتم إلا بالرجوع إلى كتب التفسير
الموثقة، وخاصة التفسير بالمأثور مثل تفسير الطبري وتفسير ابن كثير -رحمهما الله-.
ويأتي الحديث النبوي كمصدر مهم من مصادر
السيرة النبوية، ورغم أن الحديث النبوي كالقرآن تأخذ منه التشريعات والأحكام إلا
أن علماء الحديث اهتموا بنقل مغازي الرسول r إلى جانب مانقلوه من الأحاديث التي تعطينا
صورة عن الحياة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والإدارية في عصر النبوة، وتميزت
كتب الحديث بالتحقيق والدراسة والشرح سندا ومتنا قديما وحديثا، وهذا ماأعطاها
أهمية وقدمها على الكتب التاريخية التي لم تلق الاهتمام نفسه، ومع ذلك فإن كتب
الحديث لم تتناول التفاصيل الدقيقة التي أوردتها كتب التاريخ.
ويأتي في مقدمة كتب الحديث صحيحي البخاري (ت
256) ومسلم (ت 261)، ويليهما مسند الإمام أحمد (ت 241) ثم كتب السنن (أبوداود
والترمذي والنسائي وابن ماجة)، وقد ضمت هذه الكتب جوانب كبيرة من أحداث السيرة.
ويعتبر صحيح البخاري من أضبط هذه الكتب، وقد
افتتحه مؤلفه بعد حديث النية بحديث بدء الوحي على رسول الله r، وتحدث عن قصة زمزم، وأنساب العرب وشيء من
تاريخهم، ثم عن صفات النبي r الخَلقية والخُلقية، ومعجزاته، وتطرق إلى بعض
أحوال العرب في جاهليتهم، وأشار إلى بنيان الكعبة، وتناول زوجات النبي r وهجرته وغزواته وبعوثه وسراياه وكتبه ومرضه
ووفاته([12]).
وتميز كتاب الجامع الصحيح المسند المختصر من
حديث رسول الله r وسننه وأيامه، وهذا اسم كتاب صحيح البخاري بأن مؤلفه اجتهد في جمع الأحاديث الصحيحة
فيه، وقد وضع شروطا عالية في قبول الحديث وإدراجه في كتابه منها: اتصال السند،
وثبوت اللقاء بين التلميذ وشيخه، إلى جانب توثيق كل رجالات السند، كما أن الكتاب
خدم من علماء جاءوا بعد البخاري منهم ابن حجر العسقلاني الذي شرح الكتاب شرحا
وافيا وسمى كتابه (فتح الباري في شرح صحيح البخاري).
وأما صحيح مسلم فقد ذكر مؤلفه في كتاب الفضائل
طائفة كبيرة من الأحاديث التي تناولت جانبا من شخصية الرسول r وسيرته، كما تناول في كتاب الجهاد والسير
جانبا من غزوات الرسول r وسراياه وبعوثه وكتبه، ولكن لم يكن في سعة
وكثرة صحيح البخاري([13]).
وقد
صار الإمام مسلم على نهج الإمام البخاري في أن يضم كتابه ما ثبت صحته من الأحاديث،
إلا أنه في اشتراطه للحديث الصحيح كان أقل درجة من البخاري.
أما
كتب السنن الأربعة فأكثرها ذكرا للسيرة (جامع الترمذي).
وقد
محصت هذه الكتب تمحيصا دقيقا، سواءً من جانب السند أو من جانب المتن، فهي أهم مصدر
لنا في جمع صورة متكاملة صحيحة من سيرة النبي r بعد القرآن.
ولقد
جمع الإمام المزي في كتابه (تهذيب الكمال) رجالات هؤلاء الأثمة في كتبهم ووضع لهم
تراجم كاملة تعطينا صورة واضحة عن أسانيدهم من حيث الصحة والضعف.
ولم
تقتصر كتب الحديث على هذه الكتب فهناك العشرات غيرها، منها: مستدرك الحاكم ومجمع
الزوائد وسنن الدارمي والبيهقي والدارقطني، وصحيحي ابن حبان وابن خزيمة، ومسند أبي
يعلى، ومصنفي عبدالرزاق وابن أبي شيبة.
ثم
كتب الدلائل، وهي كتب اختصت بمعجزات النبي r ومن أشهرها كتاب (دلائل النبوة) لأبي نعيم الأصبهاني (ت 430هـ)
و(دلائل النبوة) للحافظ البيهقي (ت 458هـ)، وهما ينقلان الخبر بالإسناد، وفيهما
الصحيح والحسن والضعيف.
ثم
كتب الشمائل وهي التي جمعت صفاة النبي r الخَلقية والخُلقية، ومن أشهر الكتب في هذا الجانب كتاب (الشمائل)
للإمام الترمذي (ت279هـ).
ثم يلي ذلك كتب السيرة والمغازي، وتبرز أهمية
هذه الكتب إلى جانب تخصصها في الحديث عن سيرة الرسول r ومغازيه، فإنها كتبت في وقت مبكر جدا،
وبالتحديد في جيل التابعين حيث الصحابة متوافرون، الذين لم ينكروا على كتّاب
السيرة مما يدل على إقرارهم لما كتبوه، والتبكير في كتابة السيرة قلل إلى حد كبير
من احتمال تعرضها للتحريف أو المبالغة أو التهويل أو الضياع.
ومن رواد كتاب السيرة من التابعين ومن بعدهم:
عروة بن الزبير بن
العوام (ت 94هـ): وهو محدث ثقة وهو أحد الفقهاء السبعة
المشهورين في المدينة.
تمثلت رواياته التاريخية في رسائل أرسلها للبلاط الأموي هي عبارة عن
إجابات لأسئلة أرسلوها إليه عن حوادث تتعلق بفترة الرسالة وصلنا بعضها في تاريخ
الطبري([14]).
أبان
بن عثمان بن عفان
(ت 101 – 105هـ): وهو محدث ثقة، كان من أشهر القائمين بتدوين السيرة وجمع أخبارها
بعد جيل الصحابة، ومن الملاحظ قلة الرواية في كتب السيرة عنه، ولعله لم يرزق
التلامذة الذين يقومون بنشر علمه من بعده([15]).
عاصم بن عمر بن
قتادة (ت 120هـ) وقد أمره الخليفة عمر بن عبدالعزيز
بأن يقرأ في الجامع الأموي قصص المغازي ومناقب الصحابة، وهو أحد مصادر ابن إسحاق.
شرحبيل بن سعد
المدني (ت 123هـ): وهو صدوق اختلط بآخرة ومات وقد قارب
المائة، قال عنه ابن عيينة: لم يكن أحد أعلم بالمغازي والبدريين منه.
محمد بن مسلم بن
شهاب الزهري (ت 124هـ): وهو
من كبار المحدثين في عصره، وثقه الجهابذة من علماء الجرح والتعديل، وهو أول من
استخدم طريقة جمع الأسانيد ليكتمل السياق وتتصل الأحداث دون أن تقطعها الأسانيد.
لذلك
يعتبر أن له الدور الأكبر في نشأة مدرسة التاريخ، وهو بالإضافة إلى قوة ذاكرته،
دون ملاحظاته وما سمع من الأحاديث على ألواح وصحف ليعين ذاكرته، كان مقدما في
المغازي وأخبار قريش والأنصار([16]).
موسى بن عقبة (ت 140هـ): وهو محدث ثقة من تلاميذ الزهري، وقد
أثنى الإمام مالك والشافعي ويحيى بن معين على كتابه في المغازي، وقد اطلع الذهبي
وابن حجر على كتابه.
وعول عليه البخاري في صحيحه، كما اعتمد عليه
البيهقي ونقل جانبا من السيرة في كتابه (دلائل النبوة).
محمد بن إسحاق
المطلبي (ت 151هـ): وهو من تلاميذ الزهري أيضا، إمام في
المغازي لكن مروياته لاترقى إلى الصحيح بل الحسن إن صرح بالتحديث لأنه مدلس، وقال
ابن عدي: وقد فتشت أحاديثه فلم أجد في أحاديثه مايتهيأ أن يقطع عليه بالضعف، وربما
أخطأ أو يهم كما يخطئ غيره، ولم يتخلف في الرواية عنه الثقات والأئمة وهو لابأس.
وهذه شهادة عظيمة لناقد عرف عنه بشدته في
التوثيق، وقد كان حكمه مبني على سبره للروايات لا على أقوال النقاد فيه.
له كتاب (المبتدأ والمبعث والمغازي)، وقد جمع محمد بن عبدالملك
بن هشام المتوفى سنة 218هـ روايات ابن إسحاق وضمنها كتابه (السيرة النبوية) واشتهر
أيضا باسم (سيرة ابن هشام).
محمد بن عمر
الواقدي (ت 207هـ): وهو ضعيف عند المحدثين مع غزارة
مادته العلمية، وله كتاب (المغازي) يقدم إضافات على سيرة ابن إسحاق، ويبدي رأيه في الروايات ويرجح بينها،
ورغم أنه كان يمتلك مكتبة كبيرة إلا أنه لم يقتصر على النقل من هذه الكتب، بل وقف
بنفسه على مواضع الأحداث التاريخية ووصفها. ورواياته في غير الأحكام والعقيدة
مقبولة إن لم تخالف الروايات الصحيحة، ذكر ذلك ابن حجر الذي حكم عليه بأنه متروك
الحديث.
وهناك
مصادر أخرى تلي هذه المصادر حيث لم يقتصر مؤلفوها على السيرة والمغازي مثل:
محمد بن سعد (ت 230هـ): صاحب كتاب الطبقات الكبرى،
ففي المجلدين الأول والثاني تناول السيرة النبوية، وفي المجلدات من الثالث إلى
الثامن يترجم لرواة من الصحابة والتابعين وأتباعهم إلى شيوخه، وابن سعد رغم أنه هو كاتب الواقدي إلا
أنه وثق من كثير من النقاد، وصفه الخطيب بأنه ثقة يتحرى في رواياته.
امتاز كتابه بعدة أمور منها إكثاره من
أحاديث روايات الشمائل، وصفات رسول r الخَلقية والخُلقية، كما أطال القول في
حديثه عن رسل النبي r إلى الملوك والحكام في عصره، والوفود إليه،
وكذلك عن وفاته ومرضه([17]).
ومن خلال تراجم الصحابة نجد الكثير كذلك
عن السيرة، وعلى أي حال فهو كتاب غزير الفائدة عظيم النفع، ومن الأمهات الأصول في
السيرة النبوية([18]).
خليفة بن خياط (ت 240هـ): ألف كتاب التاريخ، وهو
من أقدم ماوصل إلينا من الكتب المرتبة على السنين (النظام الحولي)، ويبدأ بالسيرة
بصورة مقتضبة، ثم يعرج على الراشدين بتفصيل، وكذلك العصر الأموي والعباسي إلى سنة
232هـ، وخليفة محدث من أهل البصرة، وثقه المحدثون مثل
البخاري وابن عدي وابن حبان والبيهقي، أما الحافظ ابن حجر فحكم عليه بأنه صدوق،
وقد روى له البخاري ثلاث وعشرون رواية في صحيحه بلفظ قال لي خليفة أو حدثني خليفة،
وقد قرنه بغيره.
أمَّا عن مصادره في تدوين السيرة النبوية، فمعظم
معلومات خليفة بن خياط أخذها عن محمد بن إسحاق
محمد بن جرير الطبري (ت 310): إمام المؤرخين وهو أوسع مصادر
التاريخ الإسلامي وأغزرها، ويسمى كتابه تاريخ الرسل والملوك، وقد تناول بدأ
الخليقة وتاريخ الأنبياء ثم تاريخ الساسانين والعرب، ثم السيرة والراشدي والأموي
والعباسي إلى سنة 302هـ، وهو كتاب حولي عند تناوله للعصر الإسلامي من بداية الهجرة
النبوية، وينهي حديثه في كل عام بأسماء من توفي في ذلك العام، والطبري إمام
المؤرخين، نقل معظم أحداث السيرة عن ابن إسحاق.
قال الطبري لأصحابه: أتنشطون لتفسير
القرآن؟ قالوا: كم يكون قدره؟ فقال: ثلاثون ألف ورقة، فقالوا: هذا مما تفنى
الأعمار قبل تمامه، فاختصره في نحو ثلاثة آلاف ورقة، ثم قال: هل تنشطون لتاريخ
العالم من آدم إلى وقتنا هذا؟ قالوا: كم قدره؟ فذكر نحوا مما ذكره في التفسير،
فأجابوه بمثل ذلك، فقال: إنا لله ماتت الهمم([19]).
خـص الطبـري سيـرة الرسـول r
فـي كتـابـه هـذا بحيـز كبيـر تنـاول فيـه الـحـوادث الـتـي جـرت منـذ ولادتـه r
إلـى وفـاتـه.
تـضـمن القسـم الـذي خـصـص لسيـرة الرسـول
r باقتبـاسـات كثيـرة مـن السيـرة التـي
كتبهـا محمد بـن إسحـاق، وذلـك بطـريـق مختلـف عـن الطـريـق الـذي سـلـكـه ابـن
هشـام للـوصـول إلـى السيـرة التـي كتبهـا محمد بـن إسحـاق، إذ اعتمـد علـى روايـة
سلمـة بـن الـفـضـل الأبـرش لـهـذه السيـرة.
وهؤلاء المؤرخين ابن سعد وخليفة والطبري
استخدموا الإسناد في نقل الأخبار، ولكنهم لم يلتزموا بنقل الصحيح لذلك عند النقل
عنهم لا بد من دراسة أسانيدهم لمعرفة الصحيح من الضعيف.
بل إن الطبري أكد على ذلك في مقدمة كتابه
فقال: فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه أو
يستشنعه سامعه، من أجل أنه لم يعرف له وجها في الصحة، ولا معنى في الحقيقة، فليعلم
أنه لم يؤت في ذلك من قِبَلنا، وإنما أُتي من قِبَل بعض ناقليه إلينا، وأنا أدينا
ذلك على نحو ما أدي إلينا([20]).